سعد بن معاذ رضي الله عنه هو سيِّد قبيلة بني عبدالأشهل من الأوس في المدينة المنورة، فلما بعَث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعبَ بن عمير رضي الله عنه ليدعو أهل يثرب (المدينة) إلى الإسلام، بلغ سعد بن معاذ رضي الله عنه أن شخصًا في المدينة يقول كلامًا يُفرِّق بين الناس، فذهب سعد بن معاذ رضي الله عنه إليه وهو غاضب ليأمره بترك المدينة، وأخذ معه الحربة، فقال مَن عند مصعبٍ لمصعب:
لقد جاءك - والله - سيِّدُ مَن وراءه مِن قومه، إن يتبعْك لا يتخلَفْ عنك منهم اثنان، فلما انتهى إليه، قال سعد بن معاذ رضي الله عنه لمصعب بن عمير رضي الله عنه:
أنت الذي جئتَ تُفرِّق بين المرء وأخيه، وتُفسِد علينا ديننا، اخرُجْ من بيننا.
فقال مصعب بن عمير رضي الله عنه: هل أدلُّك على أفضل مِن ذلك؟
قال سعد رضي الله عنه: وما ذلك؟
قال مصعب رضي الله عنه: تسمعني، فإن أعجبك ما أقول كان بها، وإن لم يعجبك أترك المدينة.
فقال سعد رضي الله عنه: أصبتَ، فغَرَز حربتَه في الأرض، وقال: قل لي، فبدأ مصعب يتلو عليه القرآن وبسرعة مذهلة بدأ وجه سعد بن معاذ رضي الله عنه يتغيَّر ويبدو عليه التأثر بالقرآن، وتولدت لديه الرغبة بدخول الإسلام، فلما انتهى مصعب.

قال سعد: هذا كلام عظيم، ماذا يفعل من يريد أن يدخل في هذا الدين؟
قال مصعب بن عمير رضي الله عنه: تقوم وتغتسل، وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتصلي ركعتين.
فقام سعد بن معاذ على الفور واغتسل وصلى ركعتين.

وهنا لنا وقفة مع هذه الشخصية الناضجة التي تستطيع أن تميِّز الحق من الباطل، وتعرف الكلام العظيم وتقيمه وتميزه عن الترهات، ثم تؤمن به وتتمسك، ثم تسأل عن الطريق للإسلام وفي الحال يقوم فيغتسل ويدخل الإسلام، وهو ذلك القائد وشيخ القبيلة يعلن عن نفسه جنديًّا مع رسولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، 


لَمَّا أَسْلَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَقَفَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ! كَيْفَ تَعْلَمُوْنَ أَمْرِي فِيْكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا فَضْلاً. قَالَ: فَإِنَّ كَلاَمَكُم عَلَيَّ حَرَامٌ، رِجَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ. فمَا بَقِيَ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَأَسْلَمُوا. فَكَانَتْ دَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ أَوَّلُ دَارٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَسْلَمُوا جَمِيعًا رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ. وَحَوَّلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ إِلَى دَارِهِ فَكَانَا يَدْعُوَانِ النَّاسَ إِلَى الإِسْلامِ فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ابْنَيْ خَالَةٍ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ يَكْسِرَانِ أَصْنَامِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ.

ومِن هنا تبدأ قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه مع الإسلام، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى المدينة، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه الحكمة والإخلاص والوفاء والقدرة على التطور والإبداع، فكان مِن أقرب المقرَّبين مِن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأثبت ذلك بالفعل في مواقف عديدة، ظهر للجميع بما لا يقبل الشك رجحانُ عقله، ونفاذ بصيرته، وثباته وصبره وعبقريته، رضي الله عنه.






سعد بن معاذ رجل المواقف:
قبل وصول جيشِ المسلمين إلى بدر نزلوا في وادٍ اسمه ذَفِرَان، وقد سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج قريش للقتال، هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للناس: ((أَشِيروا عليَّ أيها الناس))؛ لأنه يتذكر جيدًا أنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله، إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلتَ إلينا فأنت في ذمَّتِنا، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّف ألَّا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة مِن عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو مِن بلادهم خارج المدينة المنورة، فتحدَّث كثيرون من المهاجرين وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أَشِيروا عليَّ أيها الناس))، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال له: "والله لكأنَّك تريدنا يا رسول الله، قال: أجل، قال: فقد آمناك وصدقناك وشهِدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لِمَا أردتَ، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخُضْتَه لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكرَهُ أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يُرِيك منا ما تَقَرُّ به عينُك"[4]، فسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سرورًا كبيرًا.

ثُمَّ قَالَ: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ.


عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ(عِرقٌ مَعْرُوفٌ فِي وَسَطِ ذِرَاعِ الْإِنْسَان)، «فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ


ويُشتِّت الله تعالى الأحزاب ويهربون، وينتصر المسلمون ويحين الأوانُ للقصاص من الخونة الذين طعنوا المسلمين في ظهورهم أثناء الحصار، وهم يهود بنو قُرَيظة فيقوم المسلمون بمحاصرة بني قُرَيْظة، ثم نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ.

فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعدٍ فأتاه على حمار وهو جريح، فلما دنا قريبًا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: ((قوموا إلى سيدكم - أو خيركم))، ثم قال: ((إن هؤلاء نزلوا على حكمك))، قال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذريَّتهم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قضيتَ بحكم الله))




شعر سعد بن معاذ رضي الله عنه بدنوِّ الأجل، فدعا الله تبارك وتعالى بقوله: "اللهم إن كنتَ قد أبقيت من حربِ قريش شيئًا فأبقني، فإنه ما من قوم أحب إليَّ أن أجاهدهم من قوم آذَوا نبيَّك وكذَّبوه وطردوه، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبين قريش، فاقبضني شهيدا"، وتنتهي الحرب بالفعل بالنصر المؤزَّر للمسلمين، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن نغزوهم ولا يغزونا))، فهنا قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا ربِّ فجِّرها ، يقصد الجرح،

وقد حزن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لفراق سعدٍ كثيرًا، وأخبر أن عرش الرَّحمن قد اهتزَّ لموته؛ عن جابرٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اهتزَّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ))[12].

قالت عائشة : "رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة سعد بن معاذ ودموعه تحادر على لحيته"

ومع هذه المنزلة العظيمة لسعدٍ، إلا أنه لم يَسْلَم من ضمَّة القبر؛ فعن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ للقبر ضغطةً، لو كان أحدٌ ناجيًا منها، نجا سعد بن معاذ))

تمر السنين والايام

أُهدِيَ لِرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جُبةٌ من سُنْدُسٍ، وكان ينهَى عن الحرير، فعجب الناس منها"، فقال: ((والذي نفسُ محمدٍ بيده، إنَّ مناديلَ سعد بن معاذ في الجنَّة أحسن من هذا))



دخل سعد الاسلام وعمر30 سنه


وإنَّ منا من يعيش أضعاف أضعاف هذه المدة، إلا أن الأرض التي يمشي عليها لتلعنه، وتفرح الأحياء بل والجمادات بموته، راحة منه ومن عصيانه وشروره، قال ربنا مخبرا عن فرعون ومن اتبعه: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ